فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي نُزُولِهَا: وَذَاكَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَحَرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الصَّفَا، ثُمَّ نَادَى: يَا صَبَاحَاهُ وَكَانَتْ دَعْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ إذَا دَعَاهَا الرَّجُلُ اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ عَشِيرَتُهُ، فَاجْتَمَعَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهَا، فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصْبِحُكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْك كَذِبًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» قَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ لُؤَيٍّ: يَا آلَ قُصَيٍّ، يَا آلَ عَبْدِ شَمْسٍ؛ يَا آلَ عَبْدِ مَنَافٍ، يَا آلَ هَاشِمٍ؛ يَا آلَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا صَفِيَّةُ أُمَّ الزُّبَيْرِ؛ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ؛ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ؛ إنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا صَفِيَّةُ، يَا فَاطِمَةُ؛ سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوْلِيَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُتَّقُونَ، فَإِنْ تَكُونُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَرَابَتِكُمْ فَذَلِكَ، وَإِيَّايَ لَا يَأْتِي النَّاسُ بِالْأَعْمَالِ، وَتَأْتُونَ بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا عَلَى أَعْنَاقِكُمْ؛ فَأَصُدُّ بِوَجْهِي عَنْكُمْ، فَتَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: هَكَذَا وَصَرَفَ وَجْهَهُ إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ؛ غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبِلَالِهَا» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتنَا، تَبًّا لَك سَائِرَ الْيَوْمِ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إنَّ آلَ أَبِي طَالِبٍ لَيْسُوا إلَيَّ بِأَوْلِيَاءٍ، وَإِنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ».
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: وَكَانَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ يَعْنِي بَعْدَ قَوْلِهِ «إلَيَّ» وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو دَاوُد فِي جَمْعِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ شُعْبَةَ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ، فَقَالَ: «آلُ أَبِي طَالِبٍ لَيْسُوا إلَيَّ بِأَوْلِيَاءٍ، إنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ».
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «لَا يَتَّكِلُ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ؛ لَا أَحِلُّ إلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا أُحَرِّمُ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، اعْمَلَا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم لمصروفون عن السمع للقرآن.
الثاني: أنهم مصروفون عن فهمه وإن سمعوه.
الثالث: أنهم مصروفون عن العمل به وإن سمعوه وفهموه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{ذكرى} له وتبصرة وإقامة حجة لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، و{ذكرى} عند الكسائي نصب على الحال، ويصح أن يكون في موضع نصب على المصدر، وهو قول الزجاج، ويصح أن يكون في موضع رفع على خبر الابتداء تقديره ذلك ذكرى، ثم نفى عن جهته عز وجل الظلم إذ هو مما لا يليق به.
{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210)}.
لما كان بعض ما قال الكفار إن هذا القرآن كهانة نزلت هذه الآية مكذبة لذلك أي {ما تنزلت به الشياطين} لأنها قد عزلت عن السمع الذي كانت تأخذ له مقاعدها، وقوله: {وما ينبغي لهم} أي ما يمكنهم، وقد تجيء هذه اللفظة عبارة عما لا يمكن وعبارة عما لا يليق وإن كان ممكنًا، ولما جاء الله بالإسلام حرس السماء بالشهب الجارية إثر الشياطين فلم يخلص شيطان بشيء يلقيه كما كان يتفق لهم في الجاهلية، وقرأ الجمهور {الشياطين} وروي عن الحسن أنه قرأ: {الشياطون} وهي قراءة مردودة، قال أبو حاتم هي غلط منه أو عليه وحكاها الثعلبي أيضًا عن ابن السميفع، وذكر عن يونس بن حبيب أنه قال سمعت أعرابيًا يقول دخلت بساتين من ورائها بساتون قال يونس فقلت ما أشبه هذه بقراءة الحسن، ثم وصى عز وجل نبيه عليه السلام بالثبوت على توحيد الله تعالى وأمره بنذارة عشيرته تخصيصًا لهم إذ العشيرة مظنة المقاربة والطواعية. وإذ يمكنه معهم من الإغلاظ عليهم ما لا يحتمله غيره فإن البر بهم في مثل هذا الحمل عليهم والإنسان غير متهم على عشيرته. وكان هذا التخصيص مع الأمر العام بنذارة العالم، وروي عن ابن جريج أن المؤمنين من غير عشيرته في ذلك الوقت نالهم من هذا التخصيص وخروجهم منه فنزلت {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه النذارة عظم موقع الأمر عليه وصعب ولكنه تلقاه بالجلد، وصنع أشياء مختلفة كلها بحسب الأمر، فمن ذلك أنه أمر عليًا رضي الله عنه بأن يصنع طعامًا وجمع عليه بني جده عبد المطلب وأراد نذارتهم ودعوتهم في ذلك الجمع وظهر منه عليه السلام بركة في الطعام، قال علي وهم يومئذ أربعون رجلًا ينقصون رجلًا أو يزيدونه، فرماه أبو لهب بالسحر فوجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترق جمعهم من غير شيء، ثم جمعهم كذلك ثانية وأنذرهم ووعظهم فتضاحكوا ولم يجيبوا، ومن ذلك أنه نادى عمه العباس وصفية عمته وفاطمة ابنته وقال لهم: «لا أغنى عنكم من الله شيئًا إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد» في حديث مشهور، ومن ذلك أنه صعد على الصفا أو أبي قبيس ونادى «يا بني عبد مناف واصباحاه» فاجتمع إليه الناس من أهل مكة فقال يا بني فلان حتى أتى، على بطون قريش جميعًا، فلما تكامل خلق كثير من كل بطن. قال لهم «رأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بسفح هذا الجبل تريد الغارة عليكم أكنتم مصدقي» قالوا نعم، فإنا لم نجرب عليك كذبًا، فقال لهم «فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد» فقال له أبو لهب ألهذا جمعتنا تبًا لك سائر اليوم فنزلت {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1] السورة، والعشيرة قرابة الرجل وهي في الرتبة تحت الفخذ وفوق الفصيلة، وخفض الجناح استعارة معناه لين الكلمة وبسط الوجه والبر، والضمير في {عصوك} عائد على عشيرته من حيث جمعت رجالًا فأمره الله بالتبري منهم وفي هذه الآية موادعة نسختها آية السيف. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وما أهلكْنا مِنْ قرية} بالعذاب في الدنيا {إِلا لها مُنْذِرونَ} يعني: رسُلًا تنذرهم العذابَ {ذِكْرى} أي: موعظة وتذكيرًا.
قوله تعالى: {وما تنزَّلَتْ به الشياطين} سبب نزولها أن قريشًا قالت: إِنما تجىء بالقرآن الشياطين فتُلقيه على لسان محمد، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {وما ينبغي لهم} أي: أن ينزلوا بالقرآن، {وما يستطيعون} أن يأتوا به من السماء، لأنهم قد حِيل بينهم وبين السَّمع بالملائكة والشُّهُب.
{إِنَّهم عن السَّمْع} أي: عن الاستماع للوحي من السماء {لمعزولون} فكيف ينزلون به؟! وقال عطاء: عن سماع القرآن لمحجوبون، لأنهم يُرْجَمون بالنجوم.
قوله تعالى: {فلا تدعُ مع الله إِلهًا آخر} قال ابن عباس: يحذِّر به غيره، يقول: أنت أكرمُ الخَلْق عليَّ، ولو اتَّخذتَ من دوني إِلهًا لعذَّبتُك.
قوله تعالى: {وأَنْذِر عشيرتك الأقربين} روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله {وأنذر عشيرتك الاقربين} فقال: «يا مَعْشَر قريش: اشْتَرُوا أنفُسَكم من الله، لا أُغْني عنكم من الله شيئًا، يا بَني عَبْدِ مَنافٍ لا أُغْني عنكم من الله شيئًا، يا عبّاسُ بنَ عبد المُطَّلِب لا أُغْني عنكَ من الله شيئًا، يا صفيةُ عَمَّةَ رسولِ الله لا أُغْني عنكِ من الله شيئًا، يا فاطمةُ بنتَ محمد سَلِيني ما شئتِ ما أُغْني عنكِ من الله شيئًا» وفي بعض الألفاظ: «سَلُوني مِنْ مالي ما شئتم» وفي لفظ: «غير أنَّ لكم رَحِمًا سأبُلُّها بِبلالها» ومعنى قوله: {عشيرتَكَ الأقربِين}: رهطك الأدنَيْن.
{فإن عَصَوْك} يعني: العشيرة {فقُلْ إِنِّي بَريء مِمّا تَعْمَلون} من الكُفْر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ}.
{مِن} صلة؛ المعنى: وَمَا أَهْلَكْنَا قرية.
{إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} أي رسل.
{ذكرى}.
قال الكسائي: {ذِكْرَى} في موضع نصب على الحال.
النحاس؛ وهذا لا يحصل، والقول فيه قول الفراء وأبي إسحاق أنها في موضع نصب على المصدر؛ قال الفراء: أي يذكّرون ذكْرَى؛ وهذا قول صحيح؛ لأن معنى {إِلاَّ لَهَا مُنْذِرُونَ} إلا لها مذكّرون.
و{ذِكْرَى} لا يتبين فيه الإعراب؛ لأن فيها ألفًا مقصورة.
ويجوز {ذِكْرًى} بالتنوين، ويجوز أن يكون {ذِكرى} في موضع رفع على إضمار مبتدأ.
قال أبو إسحاق: أي إنذارنا ذكرى.
وقال الفراء: أي ذلك ذكرى، وتلك ذكرى.
قال ابن الأنباري قال بعض المفسرين: ليس في الشعراء وقف تام إلا قوله: {إِلاَّ لَهَا مُنْذِرُونَ} وهذا عندنا وقف حسن؛ ثم يبتدئ {ذِكْرَى} على معنى هي ذكرى أي يذكرهم ذكرى، والوقف على {ذِكْرَى} أجود.
{وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم.
قوله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} يعني القرآن بل ينزل به الروح الأمين.
{وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} أي برمي الشهب كما مضى في سورة الحِجرِ بيانه.
وقرأ الحسن ومحمد بن السَّمَيْقَع: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونُ} قال المهدي: وهو غير جائز في العربية ومخالف للخط.
وقال النحاس: وهذا غلط عند جميع النحويين؛ وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: هذا غلط عند العلماء، إنما يكون بدخول شبهة؛ لما رأى الحسن في آخره ياء ونونًا وهو في موضع رفع اشتبه عليه بالجمع المسلّم فغلط، وفي الحديث: «احذروا زلّة العالم» وقد قرأ هو مع الناس {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة: 14] ولو كان هذا بالواو في موضع رفع لوجب حذف النون للإضافة.
وقال الثعلبي قال الفراء: غلط الشيخ يعني الحسن فقيل ذلك للنضر بن شُمَيل فقال: إن جاز أن يحتج بقول رؤبة والعجاج وذويهما، جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه.
مع أنا نعلم أنهما لم يقرأا بذلك إلا وقد سمعا في ذلك شيئًا؛ وقال المؤرِّج: إن كان الشيطان من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه.
وقال يونس ابن حبيب: سمعت أعرابيًا يقول دخلنا بساتين من ورائها بساتون؛ فقلت: ما أشبه هذا بقراءة الحسن.
قوله تعالى: {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين} قيل: المعنى قل لمن كفر هذا.
وقيل: هو مخاطبة له عليه السلام وإن كان لا يفعل هذا؛ لأنه معصوم مختار ولكنه خوطب بهذا والمقصود غيره.
ودلّ على هذا قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} أي لا يتكلون على نسبهم وقرابتهم فيدعون ما يجب عليهم.
قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} خصّ عشيرته الأقربين بالإنذار لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشِّرك.
وعشيرته الأقربون قريش وقيل: بنو عبد مناف ووقع في صحيح مسلم: «وأنذِر عشيرتك الأقربِين ورهطك مِنهم المخلَصِين».
وظاهر هذا أنه كان قرآنًا يتلى وأنه نسخ؛ إذ لم يثبت نقله في المصحف ولا تواتر.
ويلزم على ثبوته إشكال؛ وهو أنه كان يلزم عليه ألاّ ينذر إلاّ من آمن من عشيرته؛ فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام وفي حبّ النبي صلى الله عليه وسلم لا المشركون؛ لأنهم ليسوا على شيء من ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا عشيرته كلهم مؤمنهم وكافرهم، وأنذر جميعهم ومن معهم ومن يأتي بعدهم صلى الله عليه وسلم؛ فلم يثبت ذلك نقلًا ولا معنى.
وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا فاجتمعوا فعمّ وخصّ فقال: «يا بني كعب بن لؤيّ أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئًا غير أن لكم رحِمًا سأَبُلُّها ببِلالها».
الثانية: في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته؛ لقوله: «إن لكم رحِمًا سَأَبُلُّها ببِلالها» وقوله عز وجل: {لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين} [الممتحنة: 8] الآية، على ما يأتي بيانه هناك.
قوله تعالى: {واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} تقدم في سورة الحِجرِ وسبحان يقال: خفض جناحه إذا لان.
{فَإِنْ عَصَوْكَ} أي خالفوا أمرك.
{فَقُلْ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} أي بريء من معصيتكم إياي؛ لأن عصيانهم إياه عصيان لله عز وجل، لأنه عليه السلام لا يأمر إلا بما يرضاه، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه. اهـ.